حكم نقض فى طلاق مريض الموت
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
السنة 27 – صـ 146
جلسة 7 من يناير سنة 1976
برئاسة السيد المستشار: محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي، سعد الشاذلي، الدكتور عبد الرحمن عياد، محمد الباجوري.
(39)
الطعن رقم 15 لسنة 40 ق “أحوال شخصية“
(1 و2) أحوال شخصية “الطلاق” إرث. مرض الموت.
الطلاق البائن الصادر من المريض مرض الموت بغير رضا الزوجة. وفاة الزوج أثناء العدة. أثره. وقوع الطلاق وثبوت حق المطلقة في الميراث. بشرط أن تكون أهلاً لإرثه من وقت إبانتها إلى وقت الموت.
(3) نقض. محكمة الموضوع. مرض الموت.
استخلاص حصول مرض الموت بشروطه. من مسائل الواقع تستقل به محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض متى كان استدلالها سائغاً.
(4) أحوال شخصية “الطلاق”. إرث. حكم “تسببيه”. مرض الموت.
المريض مرض الموت. طلاقه لزوجته بائناً دون رضاها. وفاته والمطلقة في العدة. اعتباره فاراً من الميراث. لا محل للبحث عن خبايا نفسه.
(5) أحوال شخصية دعوى إثبات الوفاة والوراثة. إرث. دعوى.
دعوى إثبات الوفاة والوراثة. بيان المال المتروك عن المورث. شرط لصحتها. لا يمنع من ذلك الادعاء بتصرف المورث في تركته قبل موته.
1 – مؤدى نص المادة 11/ 3 من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 أن المشرع الوضعي قرر أخذاً بالمذهب الحنفي، أن من كان مريضاً مرض موت وطلق امرأته بائناً بغير رضاها ومات حال مرضه والزوجة لا تزال في العدة، فإن الطلاق البائن يقع على زوجته ويثبت منه من حين صدوره لأنه أهل لإيقاعه ألا أنها ترثه مع ذلك بشرط أن تكون أهلاً لإرثه من وقت إبانتها إلى وقت موته رغم أن المطلقة بائناً لا ترث لانقطاع العصمة بمجرد الطلاق، استناداً إلى أنه لما أبانها حال مرضه اعتبر احتياطياً فاراً وهارباً فيرد عليه قصده لها ويثبت لها الإرث.
2 – المقصود بمرض الموت أنه المرض الشديد الذي يغلب على الظن موت صاحبه عرفاً أو بتقرير الأطباء ويلازمه ذلك المرض حتى الموت، وإن لم يكن أمر المرض معروفاً من الناس بأنه من العلل المهلكة، فضابط شدته واعتباره مرض موت أن يعجز غير العاجز من قبل عن القيام بمصالحه الحقيقية خارج البيت، فيجتمع فيه تحقق العجز وغلبه الهلاك واتصال الموت به.
3 – متى كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بثبوت مرض الموت لدى المورث على ما حصله من البينة الشرعية التي لا مطعن عليها بأنه كان مريضاً بالربو والتهاب الكلى المزمنين، وأن هذين المرضين وإن كانا قد لازماه زمناً فقد اشتدت به علتهما قبل الوفاة بثلاثة أشهر حتى أعجزته عن القيام بمصالحه خارج بيته وداخله فلزم دار زوجته – الطاعنة الأولى – حتى نقل إلى المستشفى حيث وافاه الأجل، وساق تأكيداً لذلك أن ما جاء بشهادة الوفاة من أن هذين المرضين أديا إلى هبوط القلب فالوفاة، مطابق لأوراق علاج المتوفى بالمستشفى، فإنه لا يمكن النعي على الحكم بأنه قضى في المسائل الفنية بعلمه طالما أفصح عن المصدر الذي استقى منه ما بني عليه قضاءه. وإذ كان الحكم قد عرف مرض الموت وشروطه على وجهه الصحيح، وكان حصول مرض الموت متوافرة فيه شروطه واقعاً تستخلصه محكمة الموضوع دونه رقابة من محكمة النقض، وكان استدلال الحكم سائغاً على ما سبق تفصيله، فإن النعي عليه يكون على غير أساس.
4 – المريض مرض موت إذا طلق زوجته ثم مات ومطلقته في العدة يعتبر – متى توافرت الشروط – بطلاقه فاراً من الميراث، وتقوم المظنة على أنه طلق زوجته طلاقاً بائناً في مرض الموت قاصداً حرمانها من حقها الذي تعلق بماله منذ حلول المرض به، بمعنى أن الطلاق البائن ينبئ بذاته من غير دليل آخر على هذا القصد فرد المشرع عليه قصده، وذلك دون ما حاجة للبحث عن خبايا نفس المريض واستكناه ما يضمره.
5 – لئن كان ذلك المال شرطاً لصحة دعوى الوراثة، إلا أنه يحق لمدعيها إثبات الوراثة أولاً ثم إثبات المال، والادعاء بعدم وجود تركة للمتوفى لا يصلح دفعاً لدعوى الوفاة والوراثة، وإذ كان الثابت في الدعوى أن المطعون عليها الأولى أقامت دعواها بطلب إثبات وفاة مورثها ووراثتها وبينت الأعيان التي خلفها المتوفى فإن ما تقرره الطاعنة من أن المورث تصرف في تركته قبل وفاته لا يمنع من قبول الدعوى الراهنة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن المطعون عليها الأولى أقامت على الطاعنين والمطعون عليهما الثاني والثالث الدعوى رقم 1168 سنة 1961 أحوال شخصية “نفس” أمام محكمة القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بثبوت وفاة المرحوم.. بتاريخ 23/ 9/ 1961، وأنها من ورثته تستحق نصف الثمن فرضاً في تركته وأمرهم بتسليمها هذا القدر وعدم التعرض لها في ذلك، وقالت شرحاً لها أنها كانت زوجة المتوفى المذكور، وإذ أوقع عليها طلقة مكملة للثلاث في 21/ 8/ 1961 وتوفى بتاريخ 23/ 9/ 1961 وكان هذا الطلاق قد صدر منه في مرض موته وتوفى وهي لا زالت في العدة وترك ما يورث عنه، فقد أقامت الدعوى بالطلبات سالفة البيان وحكمت المحكمة في 27/ 4/ 1964 ثم في 5/ 6/ 1967 بإحالة الدعوى على التحقيق لتثبت المطعون عليها الأولى أن المرحوم…… كان مريضاً بمرض يغلب فيه الموت وأن هذا المرض اتصل بموته وأنه طلقها أثناء المرض إضراراً بها ولم ترتض به، وأنه توفى بتاريخ 23/ 9/ 1961 وأنها من ضمن ورثته وتستحق نصف الثمن فرضاً باعتبارها إحدى زوجتيه، وترك ما يورث عنه شرعاً وأن بقية الورثة يضعون اليد على أعيان التركة وامتنعوا عن تسليمها نصيبها، وبعد سماع شهود الطرفين في المرتين حكمت بتاريخ 8/ 4/ 1968 بوفاة المرحوم…. بتاريخ 23/ 9/ 1961 وأن المطعون عليها الأولى من ورثته تستحق في تركته نصف الثمن فرضاً. استأنف الطاعنون هذا الحكم طالبين إلغاءه وقيد الاستئناف برقم 48 سنة 85 ق القاهرة، وبتاريخ 17/ 1/ 1970 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة وإذ رأته جديراً بالنظر حددت جلسة وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعنون بالسببين الأولين على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه بنى قضاءه بصدور الطلاق من المتوفى في مرض موته على سند من أنه كان يشكو خلال الأربعة الأشهر السابقة على الوفاء من السعال الشديد، وأنه توفى متأثراً به، دون أن يبين أن هذا المرض من أمراض الموت التي يغلب فيها الهلاك مع أنه بيان جوهري، ولا يجوز الاستناد إلى ما تضمنته شهادة الوفاة من أن سببها هبوط في القلب لأنه ظاهرة تصاحب كل وفاة، ولم يرد بتلك الشهادة بيان دقيق عن الربو والتهاب الكلى اللذين أضافهما الحكم المطعون فيه، كما أن هذه الشهادة معدة لإثبات الوفاة فقط ولا يعول عليها في إثبات المرض ونوعه، وإذ يدور النزاع حول ما إذ كان مرض المورث يعتبر مرض موت أولاً يعتبر، وهي مسألة فنية تستلزم الاستعانة بالخبراء الفنيين، فما كان يجوز للحكم أن يستقل بالفصل فيها اعتماداً على الشهادة آنفة الذكر، بالإضافة إلى أن الحكم لم يستقر على رأي بشأن المدة التي اشتدت فيها وطأة المرض على المتوفى، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أن النص في الفقرة الثالثة من المادة 11 من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 على أن “وتعتبر المطلقة بائناً في مرض الموت في حكم الزوجة إذا لم ترض بالطلاق ومات المطلق في ذات المرض وهي في عدته، يدل على أن المشرع الوضعي قرر أخذاً بالمذهب الحنفي – أن من كان مريضاً مرض موت وطلق امرأته بائناً بغير رضاها ومات حال مرضه والزوجة لا تزال في العدة، فإن الطلاق البائن يقع على زوجته ويثبت منه من حين صدوره فإنه أهل لإيقاعه إلا أنها ترثه مع ذلك بشرط أن تكون أهلاً لإرثه من وقت إبانتها إلى وقت موته رغم أن المطلقة بائناً لا ترث لانقطاع العصمة بمجرد الطلاق، استناداً إلى أنه لما أبانها حال مرضه اعتبر احتياطياً فاراً وهارباً، فيرد عليه قصده ويثبت لها الإرث. ولما كان المقصود بمرض الموت أنه المرض الشديد الذي يغلب على الظن موت صاحبه عرفاً أو بتقرير الأطباء، ويلازمه ذلك المرض حتى الموت وإن لم يكن أمر المرض معروفاً من الناس بأنه من العلل المهلكة فضابط شدته واعتباره مرض موت أن يعجز غير العاجز من قبل عن القيام بمصالحه الحقيقية خارج البيت، فيجتمع فيه تحقق العجز وغلبه الهلاك واتصال الموت به، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بثبوت مرض الموت لدى المورث على ما حصله من البينة الشرعية التي لا مطعن عليها بأنه كان مريضاً بالربو والتهاب الكلى المزمنين، وأن هذين المرضين وإن كانا قد لازماه زمناً فقد اشتدت به علتهما قبل الوفاة بثلاثة أشهر حتى أعجزته عن القيام بمصالحه خارج بيته وداخله فلزم دار زوجته – الطاعنة الأولى – حتى نقل إلى المستشفى حيث وافاه الأجل، وساق تأكيداً لذلك أن ما جاء بشهادة الوفاة من أن هذين المرضين أديا إلى هبوط القلب فالوفاة مطابقة لأوراق المتوفى بالمستشفى، فإنه لا يمكن النعي على الحكم بأنه قضى في المسائل الفنية بعلمه طالما أفصح عن المصدر الذي استقى منه ما بنى عليه قضاءه، لما كان ذلك وكان الحكم قد عرف مرض الموت وشروطه على وجهه الصحيح… وكان حصول مرض الموت متوافرة فيه شروطه واقعاً تستخلصه محكمة الموضوع دونه رقابة من محكمة النقض، وكان استدلال الحكم سائغاً على ما سبق تفصيله فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون أن الأصل في الطلاق أنه حق للزوج ولا يصح نعته بأنه كان قراراً من الميراث إلا بدليل يقيني، وإذ كشفت أوراق الدعوى عن سبق طلاق المورث المطعون عليها مرتين، وعن دأبه على تطليق زوجاته الكثيرات فإن ذلك ينفي أن تطليقه في واقعة الدعوى كان طلاق الفار هو ما يعيب الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المريض مرض موت إذا طلق زوجته طلاقاً بائناً ثم مات ومطلقته في العدة يعتبر متى توافرت الشروط، فاراً من الميراث وتقوم المظنة على أنه طلق زوجته طلاقاً بائناً في مرض الموت قاصداً حرمانها من حقها الذي تعلق بماله منذ حلول المرض به، بمعنى أن الطلاق البائن ينبئ بذاته من غير دليل آخر عن هذا القصد فرد المشرع عليه قصده، وذلك دون ما حاجة للبحث، عن خبايا نفس المريض واستكناه ما يضمره، لما كان ذلك وكان الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه أن المتوفى طلق المطعون عليه الأولى طلقة مكملة للثلاث فبانت منه في 21/ 8/ 1961 وهو في مرض موته وكان ذلك بغير رضا منها، ثم توفى في 23/ 9/ 1961 وهي لا زالت في عدته، وظلت أهلاً للميراث من وقت طلاقها إلى وقت وفاته، فإن ما انتهى إليه الحكم من ثبوت ميراثها منه باعتباره فاراً يتفق والمنهج الشرعي السليم، ولا جدوى بعد ذلك من الاستدلال بسبق تطليق المورث للمطعون عليها الأولى ولغيرها من زوجاته ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون أن المورث لم يترك ما يورث عنه شرعاً فتكون دعوى الإرث غير مقبولة لتجردها من مال موروث.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن دعوى الورثة وإن كان ذكر المال شرطاً لصحتها إلا أنه يحق لمدعيها إثبات الوراثة أولاً ثم إثبات المال، والادعاء بعدم وجود تركة للمتوفى لا يصلح دفعاً لدعوى الوفاة والورثة، ولما كان الثابت في الدعوى أن المطعون عليها الأولى أقامت دعواها بطلب إثبات وفاة مورثها ووراثتها وبينت الأعيان التي خلفها المتوفى فإن ما تقرره الطاعنة من أن المورث تصرف في تركته قبل وفاته لا يمنع من قبول الدعوى الراهنة، ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.
أقرأ أيضا : الفرق بين الخلع والطلاق للضرر في نظر القانون المصري .