أحكام نقض

حكم نقض ميراث غير المسلمين

حكم نقض ميراث غير المسلمين

جلسة 19 من يونيه سنة 1963

 

برياسة السيد/ محمد فؤاد جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد زعفراني سالم، وأحمد زكي محمد، وأحمد أحمد الشامي، وقطب عبد الحميد فراج.

 

(120)

الطعن رقم 40 لسنة 29 ق “أحوال شخصية”

 

( أ ) حكم. “بياناته”. أحوال شخصية. “تدخل النيابة العامة”. نيابة عامة.

وجوب إبداء رأي النيابة في قضايا الأحوال الشخصية. لا لزوم لإبداء الرأي في كل خطوة من خطوات الدعوى. عدم إبداء النيابة رأيها بعد إعادة القضية إلى المرافعة. لا بطلان.

(ب) أحوال شخصية. “المسائل الخاصة بالمصريين غير المسلمين”. “الإرث”.

وجوب إبداء رأي النيابة في قضايا الأحوال الشخصية. لا لزوم لإبداء الرأي في كل خطوة من خطوات الدعوى. عدم إبداء النيابة رأيها بعد إعادة القضية إلى المرافعة. لا بطلان.

(ج) أحوال شخصية. “المسائل الخاصة بالمصريين غير المسلمين”. “ثبوت النسب”.

دعوى النسب بعد وفاة المورث لا ترفع استقلالاً، بل يجب رفعها ضمن دعوى حق في التركة. اختصاص القضاء الشرعي بدعوى النسب عملاً بقاعدة قاضي الأصل هو قاضي الفرع – خروج دعوى النسب من اختصاص المجالس الملية.

(د) أحوال شخصية. “المسائل الخاصة بالمصريين غير المسلمين”. “ثبوت النسب” “الإرث” “الأحكام الواجبة التطبيق”.

تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وانتقال التركة إليهم تحكمه الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها.

(هـ) حكم. “عيوب التدليل” “قصور” “ما لا يعد كذلك”. أحوال شخصية.”ثبوت النسب”. إثبات. “تقدير الدليل”. محكمة الموضوع.

تقدير أقوال الشهود مما تستقل به محكمة الموضوع. عدم تعويل الحكم في إثبات النسب على أقوال الشهود وحدها بل أضاف إليها إقرار المتوفى بالزوجية وبنسبة الحمل المستكن إليه في محضر تحقيق وقيده للمولود في دفاتر الصحة باعتباره ابنا له. النعي على الحكم بالقصور في التسبيب في غير محله.

1 – لم يوجب القانون أن تبدى النيابة رأيها في كل خطوة من خطوات الدعوى. ومتى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية فإنه لا يعيبه عدم إبداء النيابة رأيها في المرحلة اللاحقة على إعادة القضية إلى المرافعة لأن ذلك محمول على أنها لم تجد ما يدعوها لتغيير رأيها السابق وإبداء رأي جديد. ولا يغير من ذلك ما نصت عليه المادة 107 مرافعات من أنه “يجوز للمحكمة في الأحوال الاستثنائية التي ترى فيها قبول تقديم مستندات جديدة أو مذكرات تكميلية أن تأذن في تقديمها وفي إعادة المرافعة وتكون النيابة آخر من يتكلم”.

2 – دعاوى الإرث بالنسبة لغير المسلمين من المصريين كانت من اختصاص المحاكم الشرعية تجري فيها وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

3 – دعوى النسب بعد وفاة المورث لا يمكن رفعها استقلالاً وبالنسب وحده بل يجب أن تكون ضمن دعوى حق في التركة يطلبه المدعي مع الحكم بثبوت نسبه، مما ينبني عليه أن اختصاص القضاء الشرعي بالنظر في دعوى الإرث بالنسبة لغير المسلمين يستتبع حتماً اختصاصه بدعوى النسب عملاً بقاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع ولا مجال للقول بفصل دعوى النسب عن دعوى الميراث وجعل الأولى من اختصاص المجلس الملي، لأنه إذا اعتبر ثبوت النسب مسألة أولية يجب الفصل فيها أولاً من المجالس الملية فإن دعوى الميراث لا تكون إلا مجرد تقسيم للتركة لا يقتضي الالتجاء إلى القضاء. ولا جدوى من الاستناد إلى القانون 462 لسنة 1955 في هذا الصدد لأن هذا القانون إنما نقل الاختصاص من المحاكم الشرعية والمجالس الملية إلى القضاء العام دون تغيير لقواعد الاختصاص السابقة فيما بين القضاء الشرعي والمجالس الملية.

4 – تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وانتقال التركة إليهم تحكمه الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها.

5 – تقدير أقوال الشهود مما تستقل به محكمة الموضوع. فإذا كان الحكم المطعون فيه لم يأخذ في إثبات النسب بأقوال الشهود وحدها وإنما أخذ بإقرار المتوفى بالزوجية وبنسبة الحمل المستكن إليه في محضر تحقيق وبقيده في دفاتر الصحة وباعتباره ابنا له، فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب يكون على غير أساس.

 

المحكمة

 

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.

حيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 29 لسنة 1954 كلي القاهرة الابتدائية الشرعية بصفتها الشخصية وبصفتها وصية على بنتيها مرجريت وجورجيت وحمل مستكن ضد الطاعن الثاني قالت فيها إنها زوجة ثانية للمرحوم جورج طواف وأن أولادها المذكورين منه وطلبت الحكم باعتبارهم ضمن ورثته مع الطاعنين ثم قصرت الدعوى على أولادها وبعد إلغاء المحاكم الشرعية أحيلت الدعوى إلى محكمة القاهرة الابتدائية حيث قيدت برقم 98 لسنة 1956 كلي أحوال شخصية وتدخل باقي الطاعنين في الدعوى منضمين للطاعن الثاني وقضت المحكمة بقبول تدخلهم فيها وطلب الطاعنون إحالة القضية إلى الدائرة الملية تأسيساً على أن الطاعن الثاني كان قد دفع الدعوى أمام المحكمة الشرعية بعدم اختصاص المحكمة بنظرها وبعدم سماعها لسبق الفصل فيها من المجلس الملي للسريان الكاثوليك وقضت المحكمة في 25 فبراير سنة 1956 برفض الدفع بالإحالة فاستأنفه الطاعنون بالاستئنافين رقم 116، 117 سنة 73 ق استئناف القاهرة وقضت محكمة الاستئناف في 4 إبريل سنة 1956 بعدم جواز الاستئناف لأن الحكم المستأنف لم يفصل في موضوع الخصومة وطعن الطاعنون بالنقض في هذا الحكم فقضت دائرة فحص الطعون بجلسة 28 نوفمبر سنة 1956 بعدم جواز الطعن وعاد الطاعنون إلى المحكمة الابتدائية وتمسكوا بالدفع بعدم سماع الدعوى لسبق الفصل فيها وقضت المحكمة الابتدائية بجلسة 24 نوفمبر سنة 1956 برفض الدفع وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها وفاة المورث وأن أولادها منه وهم من ضمن ورثته وصرحت للطاعنين بالنفي وقالت في حكمها إن الحكم الصادر من المجلس الملي للسريان الكاثوليك صدر من جهة لا ولاية لها فاستأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 213 سنة 73 ق استئناف القاهرة وقضت محكمة الاستئناف في 13 إبريل سنة 1957 بعدم جواز الاستئناف واستمرت الدعوى أمام المحكمة الابتدائية وقضت في 29 يونيو سنة 1957 بعد سماع الشهود بوفاة المورث وبأن أولاد المطعون عليها من ورثته وقسمت التركة على هذا الأساس فاستأنف الطاعنون هذا الحكم والحكمين السابقين بالاستئناف رقم 164 سنة 74 ق استئناف القاهرة وقضت محكمة الاستئناف في 28 يونيو سنة 1956 بالتأييد فقرر الطاعنون في 26 يوليو سنة 1959 بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وطلبوا للأسباب الواردة بتقرير الطعن نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت بجلسة 13 ديسمبر سنة 1962 إحالته على هذه الدائرة حيث صمم الطاعنون على طلب نقض الحكم وطلبت المطعون عليها رفضه وصممت النيابة العامة على طلب رفض الطعن.

وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه قد شابه البطلان لإغفاله إجراءاً جوهرياً ذلك أن محكمة الاستئناف كانت قد حجزت القضية للحكم بعد أن قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها ثم أعيدت القضية للمرافعة بناء على طلب الطاعنين للرد على مذكرة النيابة ولضم الجنحة رقم 1043 سنة 1950 الرمل ولمناقشة المطعون عليها وقدم الطرفان مذكراتهما وترافعا بجلسة 3 يونيو سنة 1959 ثم حجزت القضية للحكم لجلسة 28 يونيو سنة 1959 دون أن تسمع المحكمة رأى النيابة فيما استجد في الدعوى واكتفت بمذكرة النيابة المؤرخة في 7 إبريل سنة 1958 مع أنها كانت سابقة على تاريخ فتح باب المرافعة وقد جد بعدها في الدعوى دفاع مفصل وتبادل مكاتبات مع محكمة الرمل لضم قضية الجنحة ثم مرافعة شفوية ولم تبد النيابة رأيها في ذلك كله مما يعتبر مخالفة للقانون ولأحكام المادتين 106 و107 مرافعات.

وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن القانون لم يوجب أن تبدي النيابة رأيها في كل خطوة من خطوات الدعوى ولا في كل مستند فيها وإنما أوجب إبداء رأيها في القضية على أي وجه وقد أثبت الحكم المطعون فيه ذلك واسم عضو النيابة الذي أبدي رأيه فيها وأما أن النيابة لم تبد الرأي في المرحلة اللاحقة على إعادة القضية إلى المرافعة فإنه محمول على أنها لم تجد في ذلك ما يدعوها لتغيير رأيها السابق أو إبداء رأي جديد وأنه وإن كانت المادة 106 من قانون المرافعات نصت على أنه “لا يجوز للخصوم بعد تقديم (النيابة) أقوالها وطلباتها أن يطلبوا الكلام ولا أن يقدموا مذكرات جديدة وإنما يجوز لهم أن يقدموا للمحكمة بياناً كتابياً لتصيح الوقائع التي ذكرتها النيابة” كما نصت المادة 107 من القانون المذكور على أنه “ومع ذلك يجوز للمحكمة في الأحوال الاستثنائية التي ترى فيها قبول تقديم مستندات جديدة أو مذكرات تكميلية أن تأذن في تقديمها وفي إعادة المرافعة وتكون النيابة آخر من يتكلم” ومفاد هذا النص أن تكون النيابة أخر من يتكلم إذا عن لها الكلام هذا فضلاً عن أن المشرع لم يرتب البطلان على عدم مراعاة تلك الأحكام ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله ويتعين رفضه.

وحيث إن السبب الثاني من أسباب الطعن يتحصل في النعي على الحكم بأنه قد اكتنفه الغموض والإبهام وأقيم على أسباب قلقة مخالفة للقانون إذ أنه انتهى إلى القول بتطبيق المادة 305 من اللائحة الشرعية على الدعوى وهي تجيز أن يستأنف استقلالاً الحكم الصادر برفض الدفع بالإحالة إلى الدائرة الملية وبرفض الدفع بعد سماع الدعوى لسبق الفصل فيها فإذا لم يطعن بالاستئناف فيهما فإن استئناف الحكم الصادر في الموضوع يشملهما – أما إذا استؤنف الحكمان في الدفع استقلالاً وقضى فيهما فإنه يمتنع على الخصوم طرح استئنافهما من جديد ولكن الحكم المطعون فيه بعد أن قرر ذلك نظر في موضوع الاستئناف عن هذين الدفعين وقضى فيهما بالرفض.

وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن قرر أن الحكم في الدفع بالإحالة وفي الدفع بعدم سماع الدعوى السابقة الفصل فيها مما يجوز استئنافه استقلالاً عملاً بأحكام اللائحة الشرعية الواجبة التطبيق دون قانون المرافعات عاد وقرر أنه احتراماً لحجية الحكمين السابقين صدورهما من محكمة الاستئناف في هذين الدفعين يتعين بحث موضوعهما وقضت فيهما بالرفض ومن ثم فلا وجه لما يثيره الطاعنون في هذا السبب ويتعين رفضه.

وحيث إن السبب الثالث من أسباب النعي يتحصل في النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون من عدة وجوه الأول أن الحكم اعتبر أن الدعوى دعوى ميراث مع أن الإرث في ذاته من حيث هو إرث لا خصومة فيه وإنما الخصومة قائمة على النسب والزوجية وهذه الخصومة يختص بالفصل فيها المجلس الملي للسريان الكاثوليك وأما استناد الحكم المطعون فيه إلى حكم محكمة النقض الصادر في 18 يونيه سنة 1942 فهو في غير محله لأن الأوضاع القانونية تغيرت بعد ذلك بصدور القوانين رقم 147 لسنة 1949، 461 سنة 1955، 462 سنة 1955 حيث تنص المادة 13 من القانون الأول وهي تتحدث عن الأحوال الشخصية بأن منها الإرث والنسب فتحدثت عن كل منهما على الانفراد دون أن تربط بينهما وتنص المادة السادسة من القانون الأخير على أنه إذا كان المتنازعون مصريين غير مسلمين واتحدوا طائفة وملة وكانت لهم جهات قضائية ملية منتظمة وقت صدور هذا القانون فإن الأحكام تصدر طبقاً لشريعتهم في نطاق النظام العام مما يؤدي إلى عدم التلازم في الأحكام بين الاختصاص القضائي والتشريعي بحيث يتعين على محكمة الأحوال الشخصية أن تطبق في مسألة النسب شريعة الطرفين في هذه الحالة وإن كانت تطبق على الإرث أحكام الشريعة الإسلامية وقد سبق صدور حكم المجلس الملي بانحصار الإرث في الطاعنين على أساس أن الدين المسيحي يحرم تعدد الزوجات ومن ثم يجب احترام ما قضى به حكم المجلس المذكور مما يتعين معه قبول الدفع بعدم سماع الدعوى والوجه الثاني أن الحكم خالف المادة 17 من قانون نظام القضاء والمادة 14 من قانون السلطة القضائية رقم 56 سنة 1959 ذلك أن المحكمة لم تجب الطاعنين إلى ما طلبوه من وقف السير في دعوى الميراث حتى يفصل في النسب من الدائرة الملية المختصة والوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه خالف النظر القانوني السليم من أن دعوى النسب تحكمها شريعة المتوفى وحده أياً كانت طائفة أو ملة من يدعون وراثته والوجه الرابع أن ما قرره الحكم من أن الميراث عند غير المسلمين ليس مسألة دينية في غير محله لأن المطلوب معرفته هو النسب ذاته وهو من مسائل الأحوال الشخصية التي تحوي عنصراً دينياً عند المسيحيين يصل إلى مرتبة السر الإلهي عند الكاثوليك بالذات والوجه الخامس أن الحكم المطعون فيه إذ أقر إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات النسب قد خالف القانون لأن النسب عند المسيحيين مسألة دينية تعتمد على عقد النكاح الذي يجب أن يتم طبقاً للأوضاع الدينية وأن الديانة المسيحية لا تعرف قاعدة أن الولد للفراش ولا عبرة بما سارت عليه بعض الدول المسيحية الغربية من توريث ابن السفاح لأنها وإن كانت خولته حقاً في الميراث إلا أنها لم تعطه وصف الابن الشرعي.

وحيث إن هذا النعي في جملته مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن المتوفى أقر بقيام الزوجية بينه وبين المطعون عليها في محاضر تحقيق الجنحة رقم 1043 لسنة 1950 رمل الإسكندرية التي قدم الطاعنون صوراً رسمية منها وأقر فيها بالحمل المستكن الذي انفصل حياً وتسمى جوزيف واستدل الحكم بالمستخرج الرسمي لشهادة ميلاد البنت جورجيت المولودة في 18 أغسطس سنة 1951 على أن المتوفى هو الذي أبلغ عنها باعتباره أباها واستدل الحكم كذلك بالقرائن على بنوة البنت الثالثة مرجريت للمتوفى وهي أكبر من أخويها ثم قرر الحكم بعد ذلك أنه طبقاً لنص المادة 875 من القانون المدني يتعين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على هذا النزاع ورجع في تفسيره لحكم المادة المذكورة إلى الأعمال التحضيرية للقانون المدني التي تؤيد هذا النظر وقرر الحكم أنه طبقاً لنص هذه المادة وأحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث ولما قضت به محكمة النقض في 18 يونيه سنة 1942 فإن دعوى النسب تعتبر فرعاً من دعوى الميراث مما تختص به المحكمة الشرعية وتقضي فيه طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وقال الحكم إن القول بأن الأوضاع تغيرت بعد صدور حكم النقض المشار إليه وذلك بصدور القوانين رقم 147 سنة 1949، 461، 462 سنة 1955 لا سند له إذ لم يرد فيها ما يؤيد هذا الادعاء بل على النقيض من ذلك قد نص القانون الأخير على وجوب تطبيق حكم المادة 280 من اللائحة الشرعية على ما كانت تختص المحاكم الشرعية بالفصل فيه وهذه المادة تقضي بالأخذ بأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة في الأحوال التي لم يرد فيها نص، وهذا الذي أقام الحكم قضاءه عليه لا مخالفة فيه للقانون ذلك أن دعاوى الإرث بالنسبة لغير المسلمين من المصريين كانت من اختصاص القضاء الشرعي يجرى فيها على وفق أحكام الشريعة الإسلامية وأن دعوى النسب بعد وفاة المورث لا يمكن رفعها استقلالاً بالنسبة للنسب وحده بل يجب أن تكون ضمن دعوى حق في التركة يطلبه المدعي مع الحكم بثبوت نسبه مما ينبني عليه أن اختصاص القضاء الشرعي دون سواه في دعوى الإرث بالنسبة لغير المسلمين وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة يستتبع حتماً اختصاصه بدعوى النسب عملاً بقاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع أما القول بفصل دعوى النسب عن دعوى الميراث وجعل الأولى وحدها من اختصاص المجلس الملي لا القضاء الشرعي فلا مجال له لأنه إذا اعتبر ثبوت النسب مسألة أولية يجب الفصل فيها أولاً من المجالس الملية فإن دعوى الميراث لا تكون إلا مجرد تقسيم للتركة وهذا لا يقتضي الالتجاء إلى القضاء لما كان ذلك، وكانت المادة 875 من القانون المدني تنص على أن “تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وانتقال أموال التركة إليهم تسري في شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها” وكانت المادة السادسة من القانون رقم 462 سنة 1955 تنص على أنه “تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف والتي كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر في المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم المذكورة ومقتضى هذه المادة إتباع أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة عدا الأحوال التي وردت بشأنها قواعد خاصة، وكان القول بأن الأوضاع القانونية قد تغيرت بعد صدور قضاء محكمة النقض السابق في 18 يونيو سنة 1942 وذلك بصدور القانون رقم 147 سنة 1949 بنظام القضاء والقانونين رقمي 461، 462 سنة 1955 بشأن إلغاء المحاكم الشرعية فإن هذا القول الذي يثيره الطاعنون لا سند له من القانون لأن ذكر النسب مع الإرث في المادة 13 من قانون نظام القضاء لا يؤدي إلى فصل النزاع في النسب عند نظر المنازعة على الإرث لأن نفس حكم النقض السابق المشار إليه قرر إمكان رفع الدعوى بالنسب استقلالاً إذا كان المدعى عليه فيه حياً وعدم جواز ذلك ضد الميت وأما الاستناد إلى القانون رقم 462 سنة 1955 فلا جدوى فيه للطاعنين لأن هذا القانون إنما نقل الاختصاص من المحاكم الشرعية والمجالس الملية إلى القضاء العام دون تغيير لقواعد الاختصاص السابقة فيما بين القضاء الشرعي والمجالس الملية ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله ويتعين رفضه.

وحيث إن السبب الرابع من أسباب الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد مع مخالفة الثابت في الأوراق ومخالفة القانون. ذلك أن شهادة شهود الإثبات التي أخذت بها محكمة أول درجة وأقرها عليها الحكم المطعون فيه قد بنيت على التسامع وقد أثبت الحكم أن شهادتهم تفيد أن المتوفى رزق بأولاد المطعون عليها على فراش الزوجية رغم خلو محضر التحقيق من ذلك كما أن الحكم لم يستقر على رأي فيما إذا كانت تخضع لقواعد موضوعية أو لقواعد الإجراءات ولم ترد المحكمة على دفاع الطاعنين من أنه لا يؤخذ بإقرار المتوفى لأنه صادر من ذمي تحرم ديانته تعدد الزوجات فضلاً عن أنه لم يقدم الدليل على الزوجية ومن ثم فلا بنوه.

وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن تقدير أقوال الشهود أمر تستقل به محكمة الموضوع ولم يأخذ الحكم المطعون فيه في إثبات النسب بأقوال الشهود وحدها وإنما أخذ بإقرار المتوفى في محضر تحقيق الجنحة رقم 1043 سنة 1950 رمل الإسكندرية بالزوجية وبنسبة الحمل المستكن إليه كما قام بقيد البنت جورجيت في شهادة الميلاد بالصحة باعتبار أنها بنته واعتبر الحكم أن الشهادة تحكمها قواعد موضوعية وبنى قضاءه عليها وعلى الإقرار وأطرح ما غاير ذلك من الأدلة وهذا من حق محكمة الموضوع لا معقب عليها فيه، وقد بين الحكم المطعون فيه أن النزاع تحكمه قواعد الشريعة الإسلامية كما تقدم ومن ثم يكون هذا النعي على غير أساس ويتعين رفضه.

ومن حيث لذلك يكون الطعن في غير محله ويتعين رفضه.

أقرأ أيضا : حكم نقض فى الطاعه والنشوز

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
مرحبا !!!
كيف يمكننى مساعدتك ؟