تعد جريمة عدم رد الأشياء المفقودة من الجرائم التي تمس مبادئ الأمانة والنزاهة في المجتمع. تحمل هذه الجريمة في طياتها أبعادًا أخلاقية وقانونية تعكس مدى احترام الأفراد لحقوق الآخرين وممتلكاتهم. عندما يعثر شخص على شيء مفقود، فإن واجبه القانوني والأخلاقي يقتضي إعادته إلى صاحبه أو تسليمه إلى السلطات المختصة.
في هذا المقال، سنتناول حكمًا قضائيًا يتعلق بجريمة عدم رد الأشياء المفقودة، مستعرضين تفاصيل القضية من حيث الوقائع والأدلة والإجراءات القانونية، وصولاً إلى الحكم النهائي. سنناقش أيضًا الأسس القانونية التي استندت إليها المحكمة في قرارها، والتداعيات القانونية والاجتماعية لهذا الحكم. من خلال هذا التحليل، نسعى إلى تسليط الضوء على أهمية الأمانة في التعاملات اليومية وتعزيز الوعي القانوني بأهمية احترام حقوق الآخرين وممتلكاتهم.
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
السنة 26 – صـ 129
جلسة 3 من فبراير سنة 1975
برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عثمان مهران الزيني، ومحمد عبد الواحد الديب، وعادل برهان نور، وقصدي إسكندر عزت.
جريمة عدم رد الاشياء المفقوده
(1،2) أشياء مفقودة. جريمة. “أركانها” قصد جنائي. سرقة. حكم. “تسبيه. تسبيب معيب”.
- نية التملك. شرط للعقاب في حالة العثور على الأشياء المفقودة.
ولو قامت بعد العثور على هذه الأشياء. - دفع المتهم بانتفاء نية تملكه الاشياء المفقودة التي عثر عليها.
يوجب على الحكم بالإدانة أن يعرض لهذا الركن استقلالا. مثال لتسبيب معيب.
من المقرر أنه يجب لتطبيق أحكام السرقة في أحوال العثور على الأشياء الضائعة أن تقوم لدى من عثر على الشيء نية تملكه ولو كان بعد العثور عليه.
لئن كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بالتحدث استقلالا عن نية التملك في جريمة السرقة إذا لم تكن هذه النية محل نزاع، إلا أنه متى كان المتهم قد نازع في توافر هذا الركن فإنه يتعين على المحكمة أن تتصدى لهذا القصد وتقيم الدليل على توفره. ولما كان مؤدى دفاع الطاعن أن القصد الجنائي للجريمة التي دين بها
وهو نية التملك – لم يكن متوفراً لديه لمبادرته إلى رد الحقيبة للمجني عليها،
فإنه كان يتعين على المحكمة أن تعرض لهذا الدفاع وتقسطه حقه وترد عليه رداً سائغاً يبرر إطراحها له إن رأت عدم الأخذ به باعتباره دفاعا جوهريا يترتب على ثبوته تغيير وجه الرأي في الدعوى. أما وهى لم تفعل فإن حكمها يكون قاصراً.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم الموسكي محافظة القاهرة: عثر على الحقيبة ومحتوياتها المبينة الوصف والقيمة بالمحضر المملوكة لـ……… بإحدى وسائل النقل فاختلسها لنفسه بنية تملكها إضرارا بالمجني عليها. وطلبت عقابه بالمادة 316 مكرر ثالثا من قانون العقوبات. والمادة الأولى من دكرتيو الأشياء الفاقدة. ومحكمة الموسكي الجزئية قضت في الدعوى عملا بمادتي الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل والنفاذ.
فعارض وقضى في معارضته بقبولها شكلاً، وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه.
وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات فاستأنف المتهم ،ومحكمة القاهرة الابتدائية ـ بهيئة استئنافية ـ
قضت في الدعوى حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
كما إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه -إذ دانه بجريمة العثور على أشياء فاقدة واحتباسها بنية تملكها
– قد عاره القصور في التسبيب، ذلك بأنه كان قد تمسك في دفاعه بأنه – فور عثوره على حقيبة المجني عليها التي كانت قد نسيتها في السيارة الأجرة قيادته – قد بادر بتسليمها إليها قبل أن يعلم بأنها قد أبلغت في حقه الشرطة وأشهد على ذلك شاهدا أيده إلا أن المحكمة لم تلتفت إلى هذا الدفاع ولم تعن بالرد عليه رغم جوهريته.
المحكمة
وحيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن النيابة العامة قد أسندت للطاعن عثوره بإحدى وسائل النقل على الحقيبة المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة للمجني عليها واحتبسها لنفسه بنية تملكها، وقد قضى الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بإدانته بهذه الجريمة تأسيسا على ما قررته المجني عليها من انها كانت قد أستقلت السيارة الأجرة قيادة الطاعن ولدى مغادرتها لها نسيت حقيبتها فيها، ولما عادت إلى السائق وعدها برد حقيبتها ولم يفعل،
كما تمسك الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية بأنه لم يتمكن من تسليم المجني عليها حقيبتها يوم أن طلبتها منه لأن السيارة قيادته كانت في الجراج ثم قام بتسليمها لها بما فيها واستشهد بـ….. وأضاف أنه سلم المجني عليها حقيبتها في اليوم التالي لمطالبتها إياه بها، كما يبين من الحكم المطعون عليه أنه قد سلم في مدوناته بقيام الطاعن برد الحقيبة للمجني عليها واتخذ من ذلك مبرراً لإيقاف تنفيذ العقوبة المقتضى بها عليه
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لتطبيق أحكام السرقة في احوال العثور على الأشياء الضائعة أن يقوم لدى من عثر على الشيء نية تملكه ولو كان ذلك بعد العثور عليه، وأن محكمة الموضوع وإن كانت غير ملزمة بالتحدث استقلالاً عن نية التملك في جريمة السرقة إذا لم تكن هذه النية محل نزاع، إلا أنه متى كان المتهم قد نازع في توافر هذا الركن، فإنه يتعين على المحكمة أن تتصدى لهذا القصد وتقيم الدليل على توافره
ولما كان مؤدى دفاع الطاعن أن القصد الجنائي للجريمة التي دين بها – وهو نية التملك –
لم يكن متوفرا لديه لمبادرته إلى رد الحقيبة للمجني عليها، فإنه كان يتعين على المحكمة أن تعرض لهذا الدفاع وتقسطه حقه وترد عليه ردا سائغا يبرر إطراحها له إن رأت عدم الأخذ به باعتباره دفاعاً جوهرياً يترتب على ثبوته تغيير وجه الرأي في الدعوى أما وهى لم تفعل فإن حكمها يكون قاصراً مستوجباً للنقض مع الإحالة.
أقرأ أيضا :